سورة يس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}
{لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} لحدّ لها مؤقت مقدّر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة، شبه بمستقرّ المسافر إذا قطع مسيره، أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب؛ لأنها تتقصاها مشرقاً مشرقاً ومغرباً مغرباً حتى تبلغ أقصاها، ثم ترجع فذلك حدّها ومستقرّها؛ لأنها لا تعدوه أو لحدّ لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب. وقيل: مستقرّها أجلها الذي أقرّ الله عليه أمرها في جريها، فاستقرّت عليه وهو آخر السنة. وقيل: الوقت الذي تستقرّ فيه وينقطع جريها وهو يوم القيامة.
وقرئ: {تجري إلى مستقر لها} وقرأ ابن مسعود: {لا مستقرّ لها} أي: لا تزال تجري لا تستقرّ. وقرئ: {لا مستقرّ لها} على أنّ لا بمعنى ليس {ذَلِكَ} الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق الذي تكل الفطن عن استخراجه وتتحير الأفهام في استنباطه، ما هو إلا تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور، المحيط علماً بكل معلوم. قرئ: {والقمرُ} رفع على الابتداء، أو عطفاً على الليل، يريد: ومن آياته القمر، ونصباً بفعل يفسره قدرناه، ولا بدّ في {قدرناه مَنَازِلَ}. من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل والمعنى: قدرنا مسيره منازل وهي ثمانية وعشرون منزلاً، ينزل القمر كلّ ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، على تقدير مستوٍ لا يتفاوت، يسير فيها كل ليلة من المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر، وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة، وهي: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العوّا، السماك، الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا. فإذا كان في آخر منازله دقّ واستقوس، و{عَادَ كالعرجون القديم} وهو عود العذق، ما بين شماريخه إلى منبته من النخلة. وقال الزجاج: هو (فعلون) من الانعراج وهو الانعطاف. وقرئ: {العرجون} بوزن الفرجون؛ وهما لغتان، كالبزيون والبزيون، والقديم المحول، وإذا قدم دق فانحنى واصفر، فشبه به من ثلاثة أوجه. وقيل: أقل مدّة الموصوف بالقدم الحول، فلو أنّ رجلاً قال: كل مملوك لي قديم فهو حرّ. أو كتب ذلك في وصيته: عتق منهم من مضى له حول أو أكثر. وقرئ: {سابق النهار}. على الأصل، والمعنى: أنّ الله تعالى قسم لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسماً من الزمان، وضرب له حدّاً معلوماً، ودبر أمرهما على التعاقب، فلا ينبغي للشمس: أي لا يتسهل لها ولا يصحّ ولا يستقيم لوقوع التدبير على المعاقبة، وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان على حياله {أَن تدْرِكَ القمر} فتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره، ولا يسبق الليل النهار يعني آية الليل آية النهار وهما النيران، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، وينقض ما ألف فيجمع بين الشمس والقمر، ويُطلع الشمس من مغربها فإن قلت: لم جعلت الشمس غير مدركة، والقمر غير سابق؟ قلت: لأنّ الشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة، والقمر يقطع فلكه في شهر، فكانت الشمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطئ سيرها عن سير القمر، {والقمر} خليقاً بأن يوصف بالسبق لسرعة سيره {وَكُلٌّ} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه، والمعنى: وكلهم، والضمير للشموس والأقمار على ما سبق ذكره.


{وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}
{ذُرِّيَّتَهُمْ} أولادهم ومن يهمهم حمله. وقيل: اسم الذرية يقع على النساء، لأنهنّ مزارعها وفي الحديث: أنه نهى عن قتل الذراري يعني النساء. {مّن مّثْلِهِ} من مثل الفلك {مَا يَرْكَبُونَ} من الإبل وهي سفائن البر وقيل {الفلك المشحون} سفينة نوح، ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها: أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين، وفي أصلابهم هم وذرياتهم، وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنّه أبلغ في الامتنان عليهم، وأدخل في التعجيب من قدرته، في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح. و{مّن مّثْلِهِ} من مثل ذلك الفلك ما يركبون من السفن والزوارق {فلا صَرِيخَ} لا مغيث. أو لا إغاثة. يقال: أتاهم الصريخ {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} لا ينجون من الموت بالغرق {إِلاَّ رَحْمَةً} إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة {إلى حِينٍ} إلى أجل يموتون فيه لابد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق. ولقد أحسن من قال:
وَلَمْ أَسْلَمْ لِكَيْ أَبْقَى وَلَكِنْ *** سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إلَى الْحِمَام
وقرأ الحسن رضي الله عنه: {نغرقهم}.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)}
{اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض} [سبأ: 9] وعن مجاهد: ما تقدّم من ذنوبكم وما تأخر.
وعن قتادة: ما بين أيديكم من الوقائع التي خلت، يعني من مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها، وما خلفكم من أمر الساعة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لتكونوا على رجاء رحمه الله. وجواب إذا محذوف مدلول عليه بقوله: {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} فكأنه قال: وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا. ثم قال: ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8